Accéder au contenu principal

مدونة التحصيل بين مشاكل التطبيق وسبل الإصلاح



مدونة التحصيل بين مشاكل التطبيق وسبل الإصلاح
يونس مليح*
إن التحصيل اسم مشتق من الفعل حصَّل (Recouvrer)، ويقصد به تحصيل مبالغ من المال متوجبة، ولغة؛ يعني قبض مبالغ مستحقة من المال كالديون والضرائب، ويعبر عنه بعبارات أخرى كالاستيفاء، الاستخلاص، الأداء والاستحقاق. فالتحصيل يعني طريقة إخراج الأموال الضريبية من جيب الملزم (المدين/المكلف) إلى صندوق الإدارة المالية، وتهم عملية التحصيل العناصر المكلفة به، وأساليب الاستخلاص، وتاريخ استحقاقه. فالمشرع المغربي، والفقه، لم يعطوا تعريفا محددا للتحصيل، وهذا راجع بالأساس إلى إشكالية تحديد مدلول المصطلح الذي لم يكن مثيرا للنقاش كغيره من المفاهيم والمضامين الجبائية. ولكن مع دخول القانون الجديد لتحصيل الديون العمومية 15.97، حاول المشرع تجميع الشتات وتوحيد النصوص القانونية، وقد أعطى من خلال المادة الأولى من هذا القانون مدلولا عاما لمفهوم التحصيل.
فبعد الانتهاء من مرحلة تحديد وعاء الضريبة وربطها وتحديد مبلغها الواجب على الممول، تأتي مرحلة تحصيل الضريبة إلى الخزانة العامة في موعد استحقاقها، ووجوب قيام الممول بتوريدها من تلقاء ذاته دون أن يقع على عاتق الإدارة الضريبية عبء مطالبته بأدائها، وذلك وفقا لمبدأ أن دين الضريبة هو دين محمول لا مطلوب. ويهدف المشرع من وراء ذلك إلى ضمان تحصيل الضرائب في المواعيد المحددة قانونا لمواجهة النفقات العامة المختلفة.
وقد صدرت مدونة تحصيل الديون العمومية (قانون رقم 15.97)، بتاريخ 3 ماي 2000، لتحل محل تشريعين قديمين ومتجاوزين هما: ظهير 21 غشت 1935، وظهير 22 نونبر 1924، حيث جاءت بعدة مبادئ جديدة في مجال تبسيط المساطر الإدارية وكذا مجموعة من الضمانات الهامة المخولة للمدينين للخزينة العامة. فمدونة تحصيل الديون العمومية جاءت لتستجيب للتطورات التي يعرفها ميدان حقوق الإنسان، فهي تؤسس نهجا جديدا في العلاقة بين الإدارة والمواطن الملزم، فالمشرع راع بالأساس في إعداد مشروع المدونة إقامة توازن بين الضمانات الواسعة المخولة للمدينين من جهة، والحفاظ على حقوق الخزينة من جهة أخرى.
ومما لاشك فيه، أن هذه المدونة لها تأثيراتها، وهي تأثيرات مهمة ومباشرة تلامس الحياة العامة للمدين، أكان شخصا معنويا أو طبيعيا، والقارئ المتمعن لهذه المدونة سيلاحظ من جهة أخرى أنها حققت مجموعة من الأهداف، وجاءت بإيجابيات محمودة، وحطت النقاط على الحروف في مواضع تحتاج الدقة والوضوح، لكن المشرع أرخى اللجام في مواضع وأماكن أخرى. لذلك، فإن المدونة ظلت عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة والناجعة لبعض الإشكاليات والتي كانت وتظل مثار جدل ونقاش، مما يؤدي إلى اختلاف في الرأي بشأنها، فلو تمعنا بعض نصوصها، نجدها تتميز بالضبابية والغموض، الإجمال والإبهام وعدم الانسجام، مما يفتح المجال لاختلاف التفسير والتطبيق إن على مستوى العمل القضائي أو العمل الإداري. فما هي هذه الاختلالات والمشاكل التي تتثيرها نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية؟ وما السبيل لتجاوز هذه الثغرات والمشاكل في أفق إصلاحها؟
أولا: مشاكل ومكامن الخلل في مدونة تحصيل الديون العمومية
إن تحصيل الديون العمومية له مميزات أساسية، من أهمها الشساعة والتشعب، كما تعتري طريقه عدة مشاكل ومعيقات سنحاول معالجتها من زاويتين مختلفتين، الأولى سنسلط من خلالها الضوء على الإشكاليات المتعلقة بنص القانون، ثم في محطة ثانية سنتعرف على العلاقة بين الإدارة والملزم، وما قد يصاحبها من شد وتجاذب وتشنج.
فيما يخص الإشكالات المتعلقة بنص القانون، فإنه يلاحظ على بعض نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية الغموض والإبهام، مما يفتح المجال أمام تنازع في الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي وأحيانا التجاري؛ كالإشكال المتعلق بحجز العقارات في حالة عدم كفاية المنقول، فحسب المادة 67 من مدونة التحصيل التي تنص على أنه:"إذا كانت المنقولات غير كافية أو منعدمة، يمكن القيام بحجز العقارات وبيعها باستثناء العقار المخصص لسكنى المحجوز عليه وعائلته وذلك وفق الشروط المحددة في المادة 46 من المدونة، يتم حجز العقارات وبيعها من طرف أعوان التبليغات والتنفيذات القضائية طبقا لأحكام الظهير الشريف بمثابة قانون بتاريخ 11 من رمضان (28 سبتمبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية"، فتطبيق هذا النص خلق تنازعا بين القضاء العادي والإداري، إذ يرى البعض أن الاختصاص يعود إلى القضاء العادي بالإحالة على قانون المسطرة المدنية، وباعتبار أن هذه الجهة القضائية هي المجال الطبيعي للمنازعات حول العقار، بينما يرى البعض أن الاختصاص في ذلك يعود إلى المحاكم الإدارية بدليل أن المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، تنص على اختصاصها في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل ديون الدولة، وأن الدين الضريبي هو المستهدف بالأجراء وليس العقار، خاصة وأن المادة 141 من مدونة التحصيل، تنص على أنه "تعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون على المحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية.
إلى جانب الإشكال المتعلق بحجز وبيع الأصل التجاري، فبالرجوع الى صيغة الفصل 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية بالبت في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية، وصراحة الفصل 141  من مدونة التحصيل الذي ينص على اختصاص المحاكم الإدارية في جميع المنازعات التي تنشئ عن تطبيق قانون 15.97، ومن تم فقد منحت الولاية العامة للمحاكم الإدارية بالبت في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية، إلا ما استثني بنص صريح كما هو الأمر في حالة حجز بيع الأصل التجاري،  حيث اسند الإختصاص فيه ومن باب الاستثناء للقضاء التجاري، ومن تم الإشكال يثار بخصوص الجهة المختصة.
إشكال آخر يثار بمناسبة مباشرة إجراء مسطرة الإكراه البدني، فحسب المادة 80 من المدونة التي تنص على أنه:"يتم اللجوء إلى الإكراه البدني بناء على طلب يعين المدين اسميا، ويوجه هذا الطلب إلى المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل بعد التأشير عليه من لدن رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص الذي يفوضه لذلك مع مراعاة أحكام المادة 141. ويبت قاضي المستعجلات في الطلب المعروض عليه داخل أجل يتجاوز ثلاثين يوما (30) ويحدد مدة الحبس وذلك طبقا للأحكام الواردة في هذا الفرع. ويتم تطبيق الإكراه البدني فورا، ويعمل على تنفيذه بمجرد توصل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس"، في حين أن المادة الثامنة من قانون المحاكم الإدارية تنص على أنه:" تختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون"، كما نجد بأن المادة 639 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أنه:"يقدم طلب تطبيق الإكراه البدني لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة، ويرفق بنسخة من المقرر القابل للتنفيذ بالإضافة إلى الوثائق المشار إليها في المادة 640 بعده"، إلى جانب المادة 644 من نفس القانون التي تنص على أنه:"يحدد قاضي تطبيق العقويات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعى في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين"، مما يشكل لبسا في معرفة الجهة المختصة في النظر بهذا الموضوع.
زيادة على ذلك، نجد الإشكالات المتعلقة بالإدارة والملزم، فعادة ما تمتاز عملية تحصيل الديون العمومية بالسلاسة، وذلك راجع بالأساس إلى كون المشرع قام من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية، بتوضيح واجبات وحقوق كل من الإدارة والملزم، إلا أنه وبالرغم من ذلك، قد تحدث إشكالات في تلك العلاقة القائمة بين الإدارة والملزم، وهذه الإشكالات قد تحل أحيانا بطريقة حبية بين الإدارة والمزم، لكنها أحيانا أخرى تصل إلى القضاء بغية البت فيها, ومن بين هذه الإشكالات، المشكل المتعلق بالتبليغ في المادة 43 من القانون 15.97، وإشكال إيقاف التنفيذ.
ثانيا: تحصيل الديون العمومية وآفاق لإصلاح
بالرغم من المجهود الكبير الذي بذله المشرع من خلال القانون رقم 15.97 للرقي بمنظومة تحصيل الديون العمومية، إلا أننا نلاحظ بعض الغموض والنقص، والذي بدورنا نطمح إلى تجاوزه، وذلك عن طريق إصلاح عميق يرقى إلى تطلعات الجميع، إدارة، ملزمين، مهتمين بالمجال وباحثين.
فعند القيام بمقارنة بين نصوص مدونة تحصيل الديون العمومية، وبين القوانين السابقة، نلاحظ بأن هذه المدونة جاءت بإصلاحات مهمة لامست آليات التحصيل المسطرية بشكل كبير، ومن بين هذه الإصلاحات نجد مسطرة المنازعات المتعلقة بإجراءات التحصيل الجبري، التي أكدت من خلالها االمدونة على ضرورة مرور هذه المنازعة من عبر بوابة الجهة الإدارية المختصة في إطار طعن إداري أمام أنظار الإدارة، وأمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، وأيضا اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبة، قبل طرق أبواب القضاء، وفي هذا محاولة من المشرع لتدارك بعض العيوب التي كانت تواجه مدونة سنة 1935 في شقها المخصص للمنازعة في التحصيل على أساس عدم توحيد المسطرة في هذا الميدان.
أيضا عرفت مدونة تحصيل الديون العمومية إصلاح مسطرة المطالبة بالشيء المحجوز أمام القضاء، وهذا تأكيد للمشرع على حق المطالب أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بالأشياء التي تم حجزها، سواء كانت في ملكيته، أو أنها من الأشياء غير القابلة للحجز أصلا. إلى جانب قبول المنازعة دون أن تكون مسبوقة بطعن إداري، شريطة أن يكون هناك خرق واضح لفرض الضريبة.
ويعتبر الملزم قطب الرحى في العملية الجبائية، على اعتبار أنه المعني الرئيسي بالعملية الجبائية، بداية من التأسيس وانتهاء بالتحصيل، لذلك فإن أي إصلاح في ميدان تحصيل الديون العمومية يجب أن يركز على الملزم وعلاقته بالإدارة، لأنه هو الممول الأساسي للنفقات العمومية.
ومن بين المقترحات المطروحة لإصلاح منظومة تحصيل الديون العمومية، ما يلي:
-       عصرنة الإدارة الجبائية وإصلاحها عبر تجهيزها بما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية، بما فيها الأنترنت، لتمكينها من الإنخراط في الشبكة العالمية؛
-       التواصل الجيد وفتح جسور الحوار بين الملزم والإدارة الجبائية؛
-       تنمية التواصل الداخلي والخارجي وتعزيز الإنصات والاحترام اليومي لمبدأ الشفافية للمساهمة في تفعيل التدبير العمومي؛
-       تشجيع المسؤولية الفردية والجماعية داخل الإدارة الجبائية؛

-       التواصل الجيد وسيلة فعالة لإنجاح السياسة الجبائية برمتها.
كاتب وباحث بسلك الدكتوراه*

Commentaires